هكذا كُنّا نصطاد الطيور

الاثنين، 7 سبتمبر 2009

نشأتُ في الريف، ولا زالتْ ذاكرتي تضجُّ بصوت الطلمبات وهي تهدر لترفع المياه للمَزارع، وما زلتُ أتذكر تفاصيل حياة الطفولة، وأكاد أشتم رائحة مياه النيل الممتلئة بالعافية وهي تداعب وجهي، ورائحة تراب القرية المعبق بنكهة أهلها الطيبين لم يبارح أنفي بعد، فالحياة في الريف لها طعم خاص، وذكريات جميلة، قريتنا تسمى (مدينة الشوال)، قرية هادئة وجميلة، تطل على النيل الأبيض باستحياء، قضينا بها صغرنا، وأحلى سنين عمرنا، قبل أن نرحل الي المدينة التي لا تشتمُّ فيها غير رائحة عوادم السيارات والغبار العالق، فالقرية كل شيء فيها جميل، وأذكر عندما صغاراً ، كنا حينها أطفالاً أشقياء ،تخصصنا في صيد الطيور الصغيرة مثل (ود أبرق) و(الزرور)، وأدواتنا في ذلك سلك طوله حوالي المتر، مقبضه ملفوف بالقماش، نطلقه على الطيور عندما تأتي عبر سماء القرية في شكل سحابة كثيفة، فتتساقط كالمطر، فنجمعها ونذهب بها بعيداً عن البيوت، فنشويها على الحطب، وهكذا نكون قد أكلنا لحم طير مما يشتهون، وكانت لنا طريقة أخرى في الصيد، وتتم بقطع عدة شعرات من زيل حمار، وتربط على غطاء علبة لبن مجفف نكون قد ثقبناها إلى ثقوب صغيرة متقاربة خصيصاً لهذا الغرض، نربط شعرات ذيل الحمار على شكل أنشوطات صغيرة، وننثر عليها حبات الذرة أو الدخن كـ طُعم، وعندما يأتي طائر سيء الحظ ليلتقط الحب، يكون تلقائياً قد أدخل رجله داخل الأنشوطة، ونأتي نحن الصيادين لإلقاء القبض عليه وذبحه ومن ثم إلتهامه.

الصعوبة في هذه الطريقة أنك نادراً ما تجد حمارا يعطيك شعرة من زيله عن طيب خاطر، فالأمر يحتاج الي مغامرة، فكان نذهب الي حمار جدي المربوط بطرف البيت، لننزع منه شعرات نصطاد بها الطير، وكان الحمار عنيداً، وكأنه يعرف قصدنا، ما إن نأتي بجانبه حتى تجده يرفس برجله الي الخلف دفاعاً عن زيله من القطع الجائر، وأذكر أنه رفس أحد زملاء الطفولة على رأسه، فخلف له صلعة صغيرة لم ينبت فيها الشعر حتى لحظة قراءتك هذه السطور، وعلى الرغم من هذا كنا نجازف حتى نظفر بعدة شعرات من زيله الطويل، حتى أن جدي احتار في حماره الذي أصبح شعر زيله يتناقص كل يوم حتى كاد أن يختفي تماماً.!


0 التعليقات:

إرسال تعليق