عادات سودانية جميلة: النفاج

السبت، 14 نوفمبر 2009

النفاج هو عبارة عن باب صغيرة يربط بين سلسلة منازل الجيران، حيث تجد بين كل بيت والآخر فتحة طولية تتسع بالكاد لعبور شخص واحد، ويُستخدم لزيارة الجيران بين بعضهم البعض دون تكلّف عناء الدخول من الباب الرئيسي، وهو عادة سودانية جميلة، تجدها منتشرة في القرى أكثر من المدن، حيث هناك يتعامل الأهالي ببساطة ومودّة خالية من عقد الحضارة والمدنية، ففي كل بيت توجد غرفة واسعة لاستقبال الضيوف، اسمها (الديوان)، يبنوها قبل بناء المنزل، ويمكن لكل من ينتمي للقرية من الأهل أن يلج بـ (النفاخ)، ويدخل الديوان، ويستريح فيه وكأنه في بيته.

(النفاج) أكثر ما يستخدمنه النساء، إذ هنّ من يكثرن الزيارات لبعضهن في الغالب أكثر من الرجال، حيث أن الرجال يأتون بالباب أكثر من ولوجهم بالنفاج، والعلاقات التي تربط النساء الجارات ببعضهّن في السودان كثيرة، منها أنّهن يحتجن لبعض بهارات الطعام، إذا لم يتوفرّ لدي أحداهن تجدها تذهب لجارتها عبر النفاج وتأخذ منها بعضاً من الثوم أو الشطة أو غيره مما يدخل في المكونات غير الرئيسية للطبيخ، وأحياناً يتداخلن فيما بينهن ليجلسن جلسة تسمى (قعدة جبنة)، وهي جلسة مخصصة لشرب القهوة التي لها طقوس سودانية محببة تعطيها نكهة تجعلها أكثر من مجرّد شرب قهوة، ففيها يتبادلن أخبار بعضهّن، والمشاكل التي تمرّ بهن مع أزواجهنّ، وغيرها كثير، فمشاكل النساء كما تعلم لا تفني وتستحدث من عدم.

الآن، في المدن الكبرى، بل وحتى الصغرى، وبعض القرى، كادت ثقافة (النفاج) أن تختفي من الموروث السوداني، حيث صار كلّ صاحب بيت يُعلّي سور بيته ويغلق عليه بابه، الناس صاروا لا يتزاورون كما في الماضي في عهد الزمن الجميل، أصبح الناس غرباء على بعضهم، وإن كان يربطهم العصب، وذلك لعدة أسباب، منها: أن المدنية صارت تزحف نحو القرى رويداً رويداً، وأقصد بالمدنية هنا كـ مفهوم وليس كـ مباني وعمران، حيث تجد في المدينة جيران يفصل بينهما حائط قصير، ولا يزور أحدهما الآخر إلاّ مرة واحد كل عام، أو في الأعياد والمناسبات الكبيرة فقط، التي هي إما (وفاة أو زواج)، كذلك دخل القرى كثير من الغرباء، والكثير من أهالي الريف هجروا أريافهم وتوجّهوا نحو المدن، ازدادت مشاغل الناس، بحيث لم يعد هنالك زمن متوفرّ لزيارة الأهل عبر النفاجات.!

أتمنى أن يعود الناس أحباباً كما كانوا في الماضي ويفتح كلّ واحد منهم نفّاجاً نحو الآخر، يتزاورون فيما بينهم، يتفقّدون أحوالهم، إذا اشتكي منهم فرد، تداعى له سائر الأهل بالسهر والحمى، أقول يا ليت لو كان يجدى التمنّي.!


0 التعليقات:

إرسال تعليق