قبل عدة سنوات نال فريق كبير هزيمة كاسحة على يد خصمه اللدود، بعد انتهاء المباراة مباشرة، سمعتُ جلبةً وضوضاء تأتي من الشارع، فخرجتُ كي أستبين الأمر، فـ رأيتُ العجب العُجاب، رأيتُ مجموعة من أنصار الفريق المنتصر يلبسون ملابس عليها لون وشعار الفريق، ويحملون جنازة ملفوفة بالكفن الأبيض، ومحمولة في سرير صغير، ومن خلفهم بعض الناس يعزّون بعضهم في الفقيد الذي لم أعرفه، وبشهامة السودانيين التي تسري في دمي ذهبت نحوهم لأساعد في حمل الميت، ولكنني وجدتها جنازة افتراضية، كانت عبارة عن أعواد طويلة تم لفها، وكانت ترمز للفريق المنهزم الذي تم اعتباره في عداد الأموات.!!
ومن المثير للعجب أكثر، كانت هنالك فتيات يسرن من خلف الجنازة المزعومة وهنّ يصحن بأصوات كـ هزيم الرعد، ويلطمن الخدود، إلاّ أنهن لم يصلن لمرحلة شق الجيوب والحمد لله، ومع ذلك كُنّ يضربن الأرض بأرجلهّن بحركات عجيبة، ويثرن الغبار إلى عنان السماء، اقتربت منهّن، دخلت كمية كبيرة من الغبار في صدري لدرجة أنني لو استنشقت بذرة قمح لنبتت في رئتي على الفور، والغريب أن الفتيات في التشجيع كُنّ نشيطات كـ البراغيث، والرجال بقربهم وكأنّ لا صوت لهم، حسبنا الله ونعم الوكيل.!
أمّا أغرب ما رأيته هو ما يفعله أنصار الفريق المنهزم، ما نعرفه أن المهزوم يسير مكسوراً، حزيناً، مُطأطأ الرأس، ولكن ما فعلوه يدلّ على روح معنوية عالية، كانت أعلامهم مرفوعة عالياً أعلى من أعلام الفريق المنتصر نفسه، ويصيحون أعلى من صياحهم، ويبدون فرحين أكثر مما هم محزونون، حتى أن أنصار الفريق المنتصر أوقفوا التشجيع قليلاً وصاروا يراقبوهم بتعجب، ومنهم يصيح بحيرة كلاماً بمعنى:
- ما بال هؤلاء القوم؟
- هل جُنّ هؤلاء الناس؟
أما أنا الذي لا ناقة لي ولا جمل في ما حدث، أيقنت أن كل الناس هنا جرى لهم شيء غير طبيعي، كلّهم يعيشون في هستيريا غامضة وكأنهم ليسوا في وعيهم، وخصوصاً عندما رأيت أحد الأولاد يبيع أعلام الفريقين يحملهما معاً، أحد المشجعين اشترى منه جميع أعلام الفريق المُضاد، ثم قطّعها بغبن ومزّقها شرّ ممزق، ونقده ثمنها وذهب منتشياً وكأنه فتح عكّا.!
حسبنا الله ونعم الوكيل.
3 التعليقات:
الحمدلله الذي عافانا من هوس التشجيع
نعم الحمد الله الذي عافانا من هذا الهوس
هههههههههههههههههههههههههههههههههه
إرسال تعليق