مما يدل على أننا -أي معشر العرب جمعاء- عبارة عن مجموعة من الكسالى ليس إلا، هو أن حظنا أوقعنا في عصر من إحدى حسناته هو أننا ينهمر علينا العلم من كل جانب، وبعد كل هذا لا ننهله كما يجب أن ينهل، والإمكانيات التي وجدناها لو وجدها العلماء منذ عصر الخوارزمي والفارابي وابن سينا وابن الهيثم لكانوا تخطوا حاجز العبقرية والجنون إلى مستوى لم تطلق عليه تسمية بعد، خصوصاً وأنك قد تجد العالِم الواحد قد سطع نجمه في الطب والهندسة والفلك والهندسة والحساب .. تجد عالماً واحداً يساوي سبعة من علماء اليوم، على الرغم من شح الإمكانيات في عصره.
بنظرة مقارنة أنظر إلى عصرنا .. ستجد أنه يتوفر لدى علماء اليوم إمكانيات ضخمة تكسر الكثير من حواجز العلم، ومن أبسطها (الكهرباء) .. أو بمعني أدق (المصباح الكهربائي).. لا شك أن هؤلاء العلماء –القدماء- كانوا يراجعون علومهم بـ الشموع والمصابيح البدائية، وإذا وجدوا أمامهم المصباح الكهربائي لكانوا قد قدموا للبشرية أكثر مما قدموه، وإذا أردت أن تعرف قيمة (المصباح الكهربائي) أفصل التيار عن المنزل أو المكتب وحاول أن تذاكر دروسك أو حتى أن تقرأ كتاباً، بالتأكيد ستعاني .. وستلجأ إلى بدائل لعل من أفضلها أن توقد شمعة، هذا هو حال قدماء العصور السابقة .. لم يتوفر لديهم أبسط شيء نتعامل معه .. ألا وهو المصباح الكهربائي .. تفكّر فقط .. ماذا كان سيحدث لو توفر لهم في عصرهم.؟
لا شك أن اختراع المطبعة يعتبر نقطة تحول كبيرة في تاريخ البشرية، الفضل يعود إلى (جوتنبرغ) الذي اخترعها وفتح للتاريخ صفحة جديدة ابتدأت من حيث انتهى هو من تصنيعها، ولكن تخيل معي أن العرب توصلوا لاختراع المطبعة في القرن الثالث عشر مثلاً، كيف سيكون الحال، سأبسط لك الأمر:
- ورد أن (ابن أبي أصيبعة) ألّف أكثر من ثلاثة ألف كتاب، وهو صاحب كتاب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) على الرغم من عدم وجود مطبعة .. مع مراعاة أنه كان ينسخ كل ما كتب بيده .. تصور أن هذا العالم وجد جهاز حاسوب لتجميع ما كتبه .. ووجد مطبعة لنسخ ما جمعه .. كم كتاب كان سيؤلف؟
- (ابن رشد الأندلسي القرطبي) ولد سنة 520 هجرية وتوفى في 1198 ميلادية، كان فيلسوفاً وطبيباً وقاضياً، وهذه التخصصات من الصعب أن تجتمع لدى فرد واحد .. ولكنه فعلها، وورد أنه 108 مؤلف، وصلنا منها 58 مؤلف فقط، تصور فقط أن ابن رشد كان يملك جهاز حاسوب .. بلا شك كان سيتضاعف علمه وبالتالي عطاءه.
هذه مجرد نماذج فقط لعلماء أضاءوا لنا الطريق وقدموا الكثير للبشرية على الرغم من شح الامكانيات، منهم من كان يهاجر ويجوب البلاد البعيدة من أجل العلم .. بالتأكيد أكثر تكنولوجيا كانت متوفرة لديهم للأسفار هي البعير أو الجياد.. منهم (الخوازمي) وضع أسس الجبر والهندسة والفلك ولم يسمع حتى بالآلات الحاسبة، منهم ثابت بن قرة الذي لم يخطئ في حساب السنة النجمية إلا بنصف ثانية، لم يكن يستعين بـ مرصد، ولا منظار فلكي متطور، ومنهم من وضع أساس الطب (ابن سينا) .. لم يكن يملك حتى سماعة من التي يحملها الأطباء.. اما عرب اليوم .. لا يستطيعون أن يأتوا بجديد على الرغم من عظم وضخامة الإمكانيات المتاحة أمامهم .. حتى ما اكتشفه واخترعه الآخرون من العجم لا نستطيع هضمه كله!
نسأل الله أن يفتح على علمائنا بأن يأتوا بجديد .. حتى لا يفوتنا قطار العلم والحضارة أكثر مما فاتنا.!
0 التعليقات:
إرسال تعليق